فصل: فوائد لغوية وإعرابية في قوله تعالى: {كَهَيْئَةِ الطير فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ الله}:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد لغوية وإعرابية في قوله تعالى: {كَهَيْئَةِ الطير فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ الله}:

قال ابن عادل:
قوله: {كَهَيْئَةِ} في موضع هذه الكاف ثلاثة أوجهٍ:
أحدها: أنها نَعْت لمفعولٍ محذوفٍ، تقديره: أني أخلق لكم هيئة مثلَ هيئة الطير. والهيئة إما أن تكونَ في الأصل مصدرًا، ثم أطلِقَت على المفعول- أي: المُهَيَّأ- كالخلق بمعنى: المخلوق، وإما أن تكون اسمًا لحال الشيء وليست مصدرًا، والمصدر: التَّهْيِيء- والتَّهَيُّؤ- والتَّهْيِئَة.
ويقال: هاء الشيء يَهِيءُ هَيْئًا وهَيْئَةً- إذا ترتب واستقر على حال مخصوص- ويتعدى بالتضعيف، قال تعالى: {وَيُهَيِّئ لَكُمْ مِّنْ أَمْرِكُمْ مِّرْفَقًا} [الكهف: 16]، والطين معروف، يقال: طَانَهُ الله على كذا وطَلَمَهُ- بإبدال النون ميمًا- أي: جبله عليه، والنفخ مَعْرُوفٌ.
الثاني: أن الكاف مفعول به؛ لأنها اسم كسائر الأسماء- وهذا رأي الأخْفَشِ، حيث يجعل الكاف اسمًا حيث وقعت وغيره من النحاة لا يقول بذلك إلا إذا اضطر إليه- كوقوعها مجرورة بحرف جر، أو إضافة، أو وقوعها فاعلةً أو مبتدأ. وقد تقدم ذلك.
الثالث: أنها نعت لمصدر محذوف، قاله الواحديُّ نقلًا عن أبي عليٍّ بعد كلامٍ طويلٍ: ويكون الكاف موضع نصب على أنه صفة للمصدر المراد، تقديره: أنِّي أخلق لكم من الطّينِ خلقًا مثل هيئة الطَّيْرِ.
وفيما قاله نظرٌ من حيث المعنى؛ لأن التحدِّي إنما يقع في أثر الخلق- وهو ما ينشأ عنه من المخلوقات- لا في نفس الخلق، اللهم إلا أن نقول: المراد بهذا المصدر المفعول به فيئول إلى ما تقدم.
قال الزمخشري: أي أقدِّر لكم شيئًا مثل هيئة الطّيرِ. وهذا تصريح منه بأنها صفة لمفعول محذوف وقوله: أقدر تفسير للخلق؛ لأن الخلق هنا- التقدير- كما تقدم- وليس المراد الاختراع، فإنه مختص بالباري- تعالى-.
وقرأ الزهريُّ: {كَهَيْئَةِ}- بنقل حركة الهمزة إلى الياء.
وقرأ أبو جعفر: {كَهَيْئَةِ الطَّائِرِ}.
قوله: {فَأَنْفُخُ فِيهِ} في هذا الضمير ستة أوجُهٍ:
أحدها: أنه عائد على الكاف؛ لأنها اسم- عند مَنْ يرى ذلك- أي: فأنفخ في مثل هيئة الطير.
الثاني: أنه عائد على هَيْئَةِ، لأنها في معنى الشيء المُهَيَّأ، فلذلك عاد الضميرُ عليها مذكَّرًا وإن كانت مؤنثةً- اعتبارًا بمعناها دون لفظها، ونظيره قوله تعالى: {وَإِذَا حَضَرَ القسمة} [النساء: 8] ثم قال: {فارزقوهم مِّنْهُ} [النساء: 8] فأعاد الضمير في {مِنْهَا} على {القِسْمَةَ} لما كانت بمعنى المقسوم.
الثالث: أنه عائد على ذلك المفعول المحذوف، أي: فأنفخ في ذلك الشيء المماثل لهيئة الطير.
الرابع: أنه عائد على ما وقعت عليه الدلالة في اللفظ. وهو أني أخلق. ويكون الخلق بمنزلة المخلوق.
الخامس: أنه عائد على ما دَلَّت عليه الكاف من معنى المثل؛ لأن المعنى: أخلق من الطِّينِ مثلَ هيئة الطَّير وتكون الكاف في موضع نصب على أنه صفة للمصدر المراد تقديره: أني أخلق لكم خلقًا مثل هيئة الطير. قاله الفارسي؛ وقد تقدم الكلام معه في ذلك.
السادس: أنه عائد على الطين، قاله أبو البقاء، وأفسده الواحديُّ، قال: ولا يجوز أن تعود الكناية على {الطِّينِ} لأن النفخ إنما يكون في طين مخصوص وهو ما كان مهيَّئًا منه- والطين المتقدم ذكرُه عام فلا تعود إليه الكناية، ألا ترى أنه لا ينفخ في جميع الطين.
وفي هذا الرَّد نَظَر؛ إذ لقائلٍ أن يقول: لا نُسَلِّم عمومَ الطين المتقدم، بل المراد بعضه. ولذلك أدخل عليه {مِنْ} التي تقتضي التبعيض، فإذا صار المعنى: أني أخلق بعض الطين، عاد الضَّمِيرُ عليه من غير إشكال، ولكنَّ الواحدي جعل {مِنْ} في الطين لابتداء الغاية، وهو الظَّاهِرُ.
قال أبو حيّان: وقرأ بعض القُرَّاء {فأنْفَخَهَا}. أعَاد الضمير على الهيئة المحذوفة؛ إذ يكون التقدير: هيئة كهيئة الطير، أو على الكاف- على المعنى- إذ هي بمعنى مماثلة هيئة الطير، فيكون التأنيث هنا كما هو في آية المائدة: {فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا} [المائدة: 110] ويكون في هذه القراءة قد حذف حرف الجر، كما حذف في قوله: [البسيط]
مَا شُقَّ جَيْبٌ وَلاَ قَمَتْكَ نَائِحَةٌ ** وَلاَ بَكَتْكَ جِيَادٌ عِنْدَ أسْلاَبِ

وقول النابغة: [البسيط]
.................... ** كَالْهِبْرَقِيِّ تَنَحَّى يَنْفُخُ الْفَحْما

يريد ولا قامت عليك، وينفخ في الفَحْمِ. وهي قراءة شاذة، نقلها الفرَّاء.
قال شهابُ الدين: وعجبت منه، كيف لم يَعْزُها، وقد عزاها صاحبُ الكشَّاف إلى عبد الله، قال: وقرأ عبدُ الله: {فأنفخها}.
قوله: {فَيَكُونُ} في يكون وجهان:
أحدهما: أنها تامة، أي: فيوجد، ويكون {طيرًا}- على هذا- حالًا.
والثاني: أنها ناقصة، و{طَيْرًا}- على هذا- حالًا.
والثاني: أنها ناقصة، و{طيرًا} خبرها. وهذا هو الذي ينبغي أن يكون؛ لأن في وقوع اسم الجنس حالًا لا حاجة إلى تأويل، وإنما يظهر ذلك على قراءة نَافعٍ طَائِرًا؛ لأنه- حينئذٍ- اسم مشتق.
وإذا قيل بنقصانها، فيجوز أن تكون على بابها، ويجوز أن تكون بمعنى صار الناقصة، كقوله: [الطويل]
بِتَيْهَاءَ قَفْرٍ وَالْمَطِيُّ كَاَنَّهَا ** قَطَا الْحَزْنِ قَدْ كَانَتْ فِرَاخًا بُيُوضُهَا

أي صارت.
وقال أبو البقاء: فيكون- أي فيصير- فيجوز أن يكون كأن هنا- التامة؛ لأن معناها صار بمعنى: انتقل، ويجوز أن تكون الناقصة، وطَائِرًا- على الأول- حالٌ، وعلى الثاني- خَبَرٌ.
قال شِهَابُ الدِّينِ: ولا حاجة إلى جعله إياها- في حال تمامها- بمعنى صار التامة التي معناها معنى انتقل بل النحويون إنما يقدرون التامة بمعنى حدث، ووجد، وحصل، وشبهها وإذا جعلوها بمعنى صار فإنما يعنون صار الناقصة. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

قرأ نافع {فَيَكُونُ طائرًا} بالألف على الواحد، والباقون {طَيْرًا} على الجمع، وكذلك في المائدة والطير اسم الجنس يقع على الواحد وعلى الجمع.
يروى أن عيسى عليه السلام لما ادعى النبوة، وأظهر المعجزات أخذوا يتعنتون عليه وطالبوه بخلق خفاش، فأخذ طينًا وصوره، ثم نفخ فيه، فإذا هو يطير بين السماء والأرض، قال وهب: كان يطير ما دام الناس ينظرون إليه، فإذا غاب عن أعينهم سقط ميتًا، ثم اختلف الناس فقال قوم: أنه لم يخلق غير الخفاش، وكانت قراءة نافع عليه.
وقال آخرون: أنه خلق أنواعًا من الطير وكانت قراءة الباقين عليه. اهـ.

.قال ابن عادل:

وقرأ نافع ويَعْقُوبُ فيكون طائِرًا- هنا وفي المائدة- والباقون {طَيْرًا} في الموضعين.
فأما قراءة نافع فوجَّهَهَا بعضُهم بأنَّ المعنى على التوحيد، والتقدير: فيكون ما أنفخ فيه طائرًا ولا يعترض عليه بأن الرسمَ الكريمَ إنما هو {طَيْرًا}- دون ألف- لأن الرسم يُجوِّز حذف مثل هذه الألف تخفيفًا ويدل على ذلك أنه رسم قوله تعالى: {وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ} [الأنعام: 38] ولا طير- دون ألف- ولم يقرأه أحد طائر- بالألف- فالرسم محتمل، لا مُنَافٍ.
قال بعضهم كالشارح لما تقدم-: ذهب نافع إلى نوع واحد من الطير؛ لأنه لم يخلق غير الخفّاشِ، وزعم آخرون أن معنى قراءته: يكون كل واحد مما أنفخ فيه طائرًا، قال: كقوله تعالى: {فاجلدوهم ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور: 4] أي اجلدوا كل واحد منهم وهو كثير من كلامهم.
وأما قراءة الباقين فمعناها يحتمل أن يُرَاد به اسم الجنس- أي: جنس الطير- ويُحْتَمل أن يُرَاد به الواحد فما فوقه، ويحتمل أن يراد به الجمع، ولاسيما عند من يرى أن طيرًا صيغة جمع نحو رَكْب وصَحْب وتَجْر؛ جمع راكب وصاحب وتاجر- وهو الأخفشُ- وأما عند سيبويه فهي عنده أسماء جموع، لا جموع صريحة وتقدم الكلام على ذلك في البقرة. وحسن قراءة الجماعة لموافقتها لما قبلها- في قوله: {مِّنَ الطير}- ولموافقة الرسم لفظًا ومعنى. اهـ.

.قال القرطبي:

{فَأَنفُخُ فِيهِ} أي في الواحد منه أو منها أو في الطين فيكون طائرًا.
وطائر وطَيْر مثل تاجر وتَجْر.
قال وَهْب: كان يطير ما دام الناس ينظرون إليه فإذا غاب عن أعينهم سقط ميتًا ليتميز فعل الخلق من فعل الله تعالى.
وقيل: لم يخلق غيرَ الخُفّاش لأنه أكمل الطير خلقًا ليكون أبلغ في القدرة، لأن لها ثَدْيًا وأسنانًا وأُذنًا، وهي تحيض وتطهر وتلد.
ويقال: إنما طلبوا خَلْق خُفّاش لأنه أعجب من سائر الخلق؛ ومن عجائبه أنه لحم ودم يطير بغير ريش ويلد كما يلد الحيوان ولا يبيض كما يبيض سائر الطيور، فيكون له الضرّع يخرج منه اللبن، ولا يبصر في ضوء النهار ولا في ظلمة الليل، وإنما يرى في ساعتين: بعد غروب الشمس ساعة وبعد طلوع الفجر ساعة قبل أن يُسفر جدًا، ويضحك كما يضحك الإنسان، ويحيض كما تحيض المرأة.
ويقال: إن سؤالهم كان له على وجه التعنّت فقالوا: أخلق لنا خُفّاشًا واجعل فيه روحًا إن كنت صادقًا في مقالتك؛ فأخذ طينًا وجعل منه خفاشًا ثم نفخ فيه فإذا هو يطير بين السماء والأرض؛ وكان تسوية الطين والنفخ من عيسى والخلق من الله، كما أن النفخ من جبريل والخلق من الله. اهـ.

.قال الفخر:

قال بعض المتكلمين: الآية تدل على أن الروح جسم رقيق كالريح، ولذلك وصفها بالفتح، ثم هاهنا بحث، وهو أنه هل يجوز أن يقال: أنه تعالى أودع في نفس عيسى عليه السلام خاصية، بحيث متى نفخ في شيء كان نفخه فيه موجبًا لصيرورة ذلك الشيء حيًا، أو يقال: ليس الأمر كذلك بل الله تعالى كان يخلق الحياة في ذلك الجسم بقدرته عند نفخة عيسى عليه السلام فيه على سبيل إظهار المعجزات، وهذا الثاني هو الحق لقوله تعالى: {الذى خَلَقَ الموت والحياة} [الملك: 2] وحكي عن إبراهيم عليه السلام أنه قال في مناظرته مع الملك {رَبّيَ الذي يُحْىِ وَيُمِيتُ} [البقرة: 258] فلو حصل لغيره، هذه الصفة لبطل ذلك الاستدلال. اهـ.
قال الفخر:
القرآن دلّ على أنه عليه الصلاة والسلام إنما تولد من نفخ جبريل عليه السلام في مريم وجبريل صلى الله عليه وسلم روح محض وروحاني محض فلا جرم كانت نفخة عيسى عليه السلام للحياة والروح. اهـ.

.من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {بِإِذُنِ الله}:

.قال الفخر:

قوله: {بِإِذُنِ الله} معناه بتكوين الله تعالى وتخليقه لقوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله} [آل عمران: 145] أي إلا بأن يوجد الله الموت، وإنما ذكر عيسى عليه السلام هذا القيد إزالة للشبهة، وتنبيهًا على إني أعمل هذا التصوير، فأما خلق الحياة فهو من الله تعالى على سبيل إظهار المعجزات على يد الرسل. اهـ.

.قال الزمخشري:

وكرر {بِإِذُنِ الله} دفعًا لوهم من توهم فيه اللاهوتية. اهـ.

.قال ابن عطية:

حقيقة الإذن في الشيء هي العلم بأنه يفعل والتمكين من ذلك، فإن اقترن بذلك قول فذلك أمكن في الإذن وأبلغ، ويخرج من حد الإذن إلى حد الأمر ولكن تجده أبدًا في قسم الإباحة، وتأمل قوله تعالى: {فهزموهم بإذن الله} [البقرة: 251]، وقول النبي عليه السلام، وإذنها صماتها. اهـ.

.قال ابن عادل:

روي أن عيسى عليه السلام لما ادَّعَى النبوةَ، وأظهر المعجزات، طالبوه بخَلْق خفاش فأخذ طينًا، فصوَّره، فنفخ فيه، فإذا هو يطير بين السماء والأرض.
قال وَهْبٌ: كان يطير ما دام الناسُ ينظرون إليه، فإذا غاب عن أعينهم سقط ميِّتًا، ليتميز فعلُ الخلْق من فعل الخالق.
قيل: خلق الخُفَّاش، لأنه أكمل الطير خَلْقًا، وأبلغ في القدرة؛ لأن لها ثَدْيًا وأسْنَانًا وأذنًا، وهي تحيض وتطهر وتَلِد.
وقيل: إنما طالبوه بخلق خُفَّاش؛ لأنه أعجب من سائر الخلق، ومن عجائبه أنه لحم ودم، يطير بغير ريش ويلد كما يَلِد الحيوان، ولا يبيض كما يبيض سائر الطُّيور، ويكون له الضرع يخرج منه اللبن، ولا يُبصر في ضوء النهار، ولا في ظلمة الليل، وإنما يرى في ساعتين: بعد غروب الشمس سَاعةً، وبعد طلوع الفجر سَاعةً- قبل أن يُسْفِر جِدًّا- ويضحك كما يضحك الإنسان، ويحيض كما تحيض المرأة. قال قوم أنه لم يخلق غير الخفاش. وقال آخرون: أنه خلق أنواعًا من الطّيْرِ. اهـ.

.قال القرطبي:

{وَأُحْيِي الموتى بِإِذْنِ الله} قيل: أحيا أربعة أنفس: العاذر وكان صديقًا له، وابن العجوز وابنة العاشر وسام بن نوح؛ فالله أعلم، فأما العاذر فإنه كان قد توفي قبل ذلك بأيام فدعا الله فقام بإذن الله وودكه يقطر فعاش وولد له، وأما ابن العجوز فإنه مرّ به يُحمل على سريره فدعا الله فقام ولبِس ثيابه وحمل السرير على عنقه ورجع إلى أهله، وأما بنت العاشر فكان أتى عليها ليلة فدعا الله فعاشت بعد ذلك وولد لها؛ فلما رأوا ذلك قالوا: أنك تحيي من كان موته قريبًا فلعلهم لم يموتوا فأصابتهم سكتةٌ فأحي لنا سام بن نوح.
فقال لهم: دلّوني على قبره فخرج وخرج القوم معه حتى انتهى إلى قبره فدعا الله فخرج من قبره وقد شاب رأسه.
فقال له عيسى: كيف شاب رأسك ولم يكن في زمانكم شيْبٌ؟ فقال: يا روح الله، أنك دعوتني فسمعت صوتًا يقول: أجب روح الله، فظننت أن القيامة قد قامت، فمن هول ذلك شاب رأسي.
فسأله عن النزع فقال: يا روح الله، إن مرارة النزع لم تذهب عن حنجرتي؛ وقد كان من وقت موته أكثر من أربعة آلاف سنة، فقال للقوم: صدّقوه فإنه نبيّ؛ فآمن به بعضهم وكذّبه بعضهم وقالوا: هذا سحر.
وروي من حديث إسمعيل ابن عياش قال: حدّثني محمد بن طلحة عن رجل أن عيسى ابن مريم كان إذا أراد أن يحيي الموتى صلى ركعتين يقرأ في الأولى {تَبَارَكَ الذي بِيَدِهِ الملك}.
وفي الثانية تنزيل السجدة فإذا فرغ حمِد الله وأثنى عليه ثم دعا بسبعة أسماء: يا قديمُ يا خَفيّ يا دائمُ يا فَرْدُ يا وتْرُ يا أحد يا صمد؛ ذكره البيهقي وقال: ليس إسناده بالقويّ. اهـ.

.قال ابن كثير:

{وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ الله}:
قال كثير من العلماء: بعث الله كل نبي من الأنبياء بمعجزة تناسب أهل زمانه، فكان الغالب على زمان موسى، عليه السلام، السحر وتعظيم السحرة. فبعثه الله بمعجزة بَهَرَت الأبصار وحيرت كل سحار، فلما استيقنوا أنها من عند العظيم الجبار انقادوا للإسلام، وصاروا من الأبرار. وأما عيسى، عليه السلام، فبُعث في زمن الأطباء وأصحاب علم الطبيعة، فجاءهم من الآيات بما لا سبيل لأحد إليه، إلا أن يكون مؤيدًا من الذي شرع الشريعة. فمن أين للطبيب قدرة على إحياء الجماد، أو على مداواة الأكمه، والأبرص، وبعث من هو في قبره رهين إلى يوم التناد؟ وكذلك محمد صلى الله عليه وسلم بعثه الله في زمن الفصحاء والبلغاء ونحارير الشعراء، فأتاهم بكتاب من الله، عز وجل، لو اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثله، أو بعشر سور من مثله، أو بسورة من مثله لم يستطيعوا أبدًا، ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا، وما ذاك إلا لأن كلام الرب لا يشبهه كلام الخلق أبدًا. اهـ.